بين تعريفين؛ لا مكان للعربية
يرى مالك أن هناك مدرستان في تعريف الثقافة؛ المدرسة الغربية، والمدرسة الماركسية. تذهب المدرسة الغربية إلى أن الإنسان هو صانع الثقافة، وتُعرِّف الثقافة تعريفين؛ الأول أن الثقافة كلٌ تتداخل أجزاؤه تداخلًا وثيقًا، مع بقاء القدرة على تمييز العناصر المكونة له. والتعريف الثاني يُفرق بين مجالين للثقافة؛ الثقافة المادية التي تعبر عن مجموع الأشياء والأدوات والثمرات الناتجة عنها، والثقافة المتكيفة التي تضم العقائد والتقاليد واللغة والأفكار.
في المقابل، ترى المدرسة الماركسية أن الثقافة هي نتاج المجتمع، وتُعرفها بتعريفين أيضًا؛ الأول تذهب فيه إلى أن الثقافة انعكاس للواقع المادي، والثاني أن كل ثقافة معينة هي انعكاس لمجتمع معين.
ويخلص ابن نبي من النظر للتعريفات السابقة إلى أن الثقافة وليدة سياقات مختلفة وبالتالي لا يمكن اقتباسها كما هي وإنزالها على الواقع العربي لأنه يحمل بالضرورة سياقا مغايرًا عنها، ولا يعني هذا عدم الاسترشاد بخبرات الآخرين بل تهيئة المجتمعات العربية والإسلامية لما يلزم لتطبيق حلول مشكلاته.
في عام ألفٍ وتسعِمِائةٍ وخمسةٍ وتسعينَ أصدر المفكر الجزائري مالك بن نبي كتابه "مشكلة الثقافة"، والذي حاول من خلاله تطبيق منهج جديد في الدراسة والتحليل، استقاه من معايشته للحضارة الغربية بصورة مباشرة، ومن دراسته العملية والنظرية في فرنسا كذلك، حتى استطاع ووفق ذلك المنهج أن يصل إلى فهم العناصر الأولية في الثقافة بصورة أكثر عمقًا، حيث وظف التحليل النفسي في تحديد الطابع الثقافي للفرد في العالم الإسلامي، ثم انطلق بناءً على ذلك التحليل محاولًا وضع برنامج تربوي يمكن تطبيقه.